تستند هذه المدونة إلى تحليل نشره المؤلف لسلسلة أوراق عمل مركز الأبحاث بقيادة اللاجئين، كجزء من منصة الأدلة الكينية.
مقدمة: من الديناميكيات الحاسمة في الحرب الدائرة في السودان استخدام أطراف النزاع للمنصات الرقمية لتوجيه السرديات عبر خطاب الكراهية، والمعلومات المضللة، والأخبار الزائفة. تناقش هذه المدونة دور خطاب الكراهية في تصعيد النزاع في السودان. ولأغراض هذا النقاش، يُعرَّف خطاب الكراهية بحسب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأنه “التحريض على العنف”. يتجاوز هذا التعريف الفهم التقليدي الذي يحصر خطاب الكراهية في استهداف الأفراد بناءً على صفاتهم المحمية، ليأخذ في الاعتبار السياق الأوسع الذي يظهر فيه خطاب الكراهية، بما في ذلك العوامل الاجتماعية والسياسية مثل التنافس على الموارد، واختلال ميزان القوة، والمظالم التاريخية. كما يرتبط خطاب الكراهية ارتباطًا وثيقًا بالأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، ويؤدي دورًا محوريًا في استقطاب المجتمعات.
طبيعة خطاب الكراهية في السودان: شهد خطاب الكراهية في السودان تطورًا عبر العقود، حيث كان يستهدف في البداية المجموعات العرقية، ثم توسّع ليشمل الفئات السياسية والجندرية. استغلّت الجهات الرسمية الصور النمطية العرقية تاريخيًا، مما عمّق الانقسامات وأعاق جهود بناء السلام. على سبيل المثال، خلال الحرب الأهلية بين عامي 1983 و2005، استخدمت وسائل الإعلام الحكومية بثًا يوميًا لمدة 30 دقيقة لتأجيج الحرب ضد “الجنوبيين”. وحتى بعد توقيع اتفاق السلام الشامل في 2005، استُخدمت الخطابات الإقصائية لاستهداف أطراف الاتفاق.
في الآونة الأخيرة، أصبح خطاب الكراهية أكثر تسييسًا، حيث استُهدفت المجموعات المؤيدة للديمقراطية التي أطاحت بأطول نظام استبدادي في تاريخ السودان من خلال حملات تضليل، ترافقها تكتيكات مثل “الحظر الظلّي” لصفحاتهم على الإنترنت، مما قلّص من ظهورها وحدّ من قدرتهم على التنظيم. وتشير تحليلات Global Voices إلى أن هذه المجموعات كانت هدفًا لهجمات “السلوك غير الأصيل المنسق” لتلاعب بخوارزميات فيسبوك وحجب محتواها. ووفقًا لشركة Meta، يُعرّف السلوك غير الأصيل المنسق بأنه استخدام شبكة مترابطة من الحسابات غير الأصلية لنشر المحتوى بشكل مضلّل حول شعبيته.
وعلى الرغم من سنّ قانون الجرائم الإلكترونية في عام 2018 لمكافحة خطاب الكراهية والأخبار الزائفة، فقد استُخدم هذا القانون لقمع المعارضين، لا سيما النشطاء والصحفيين الذين يتحدّون الرواية الرسمية للدولة. وقد لعبت المنصات الرقمية دورًا كبيرًا في نشر التضليل السياسي وتشكيل الرأي العام خلال فترة الحكومة الانتقالية، وأسهمت بشكل غير مباشر في الانقلاب العسكري الذي أنهى تلك الفترة.
وفي ظل الحرب الحالية، تستخدم أطراف النزاع المنصات الرقمية لتوجيه الروايات الحربية، والتحريض على العنف، وتشويه سمعة دعاة السلام، بمن فيهم النساء القياديات. وقد شملت هذه الجهود مهاجمة الصحفيين والبنية التحتية للاتصالات، مما أدى إلى فراغ معلوماتي وانقطاع واسع في الاتصال، صعّب من التحقق من الأخبار وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وترك بعض المناطق معزولة بالكامل. تؤثر حالات حجب الإنترنت أثناء النزاعات المسلحة بشكل خطير على سلامة المدنيين، وعلى الوصول إلى خدمات الطوارئ، كما تعيق حرية التعبير وتُخفي الانتهاكات الجسيمة.
بسبب اتهامات بالخيانة أو التجسس، تتعرض النساء العاملات في القطاع غير الرسمي، لا سيما المنحدرات من مناطق الغرب، إلى جرائم عنف قائمة على النوع الاجتماعي من قبل أطراف النزاع. كما تم استخدام العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت، لا سيما الجنسي منه، كسلاح في سياق الحرب، مستغلًا الهياكل الاجتماعية التمييزية ضد النساء. يمتد هذا العنف من الواقع إلى الفضاء الرقمي، ويُستخدم لتشويه صورة النساء المنخرطات في جهود السلام وعزلهن.
كما كانت المنظمات الإنسانية والعاملون في المجال الإنساني هدفًا لحملات التضليل وخطاب الكراهية، سواء عبر الإنترنت أو ميدانيًا، بما في ذلك الاعتداءات المتعمدة على العاملين الصحيين. ووفقًا لتقرير Insecurity Insight، تعرضت المنظمات الدولية لمزاعم عدائية بالتواطؤ مع أحد أطراف النزاع على منصتي فيسبوك وإكس، مترافقة مع دعوات لطردهم، مما هدد حيادهم وعرّض العاملين للمخاطر، وأثّر على إيصال المساعدات الأساسية.
خطاب الكراهية كمحرك للنزاع والنزوح: في الإقليم الشرقي، أسهم خطاب الكراهية باستخدام لغة تحريضية ولا إنسانية في تأجيج التوترات العرقية بين مجموعتين لهما نزاع طويل الأمد على الأراضي والسلطة والخدمات الأساسية. برزت هذه التوترات خلال الفترة الانتقالية في شكل اشتباكات ورفض من إحدى المجموعات لاتفاق جوبا للسلام، وإنكار لهوية الطرف الآخر كسودانيين. استغل زعماء محليون من هذه المجموعات خطاب الكراهية لحشد مؤيديهم، مما أدى إلى اندلاع أعمال عنف. وفي سياق الحرب الحالية، تؤكد مصادر من
الإقليم أن هؤلاء الفاعلين أنفسهم يستخدمون الإعلام الرسمي لحشد المقاتلين، مكررين نفس الخطابات الانقسامية، مما يهدد بدمار كبير في المنطقة.
أما في الأقاليم الغربية، فقد أدت الحروب السابقة، كحرب دارفور بين عامي 2003–2020، إلى إضعاف التماسك الاجتماعي، مما أتاح لأطراف النزاع الحالية استغلال الانقسام العرقي في التجنيد. وتوضح العداوات الأخيرة بين مجموعات عرقية في دارفور وكردفان كيف تؤثر المظالم التاريخية على الديناميكيات الحالية للنزاع، مما أدى إلى انتهاكات خطيرة بحق قبائل غير عربية في غرب دارفور.
يشكل السودان حاليًا واحدة من أكبر أزمات النزوح عالميًا، حيث تجاوز عدد النازحين داخليًا عشرة ملايين شخص. أدى انهيار التماسك الاجتماعي إلى اتخاذ قرارات الهجرة بناءً على الهوية العرقية. وتُحدد طرق النزوح والوجهات بناءً على نظرة أطراف النزاع للجماعات العرقية، مما يزيد من مخاطر العنف عند نقاط التفتيش. كما حُرمت مجموعات مثل الفور والنوبة والجنوبيين من الحصول على الخدمات في ولاية الجزيرة بسبب تصورات سلبية من المجتمعات المستضيفة.
التوصيات: تستمر الحروب الأهلية في السودان إلى حد كبير بسبب غياب المساءلة للمسؤولين عن تأجيج النزاعات. وقد ساهم الإفلات من العقاب في استمرار القتال بين الجماعات المسلحة. لذا، من الضروري أن يتضمن أي مسار سلام مستقبلي آليات لمحاسبة أطراف النزاع على الانتهاكات الجسيمة الموثقة لحقوق الإنسان. وحدها العدالة يمكن أن تمهّد الطريق لسلام دائم ومصالحة حقيقية.
يجب على الجهات الفاعلة في بناء السلام اعتماد نهج تشاوري واسع يشرك المدنيين في عمليات صنع السلام. وفي ظل الحرب الجارية، تضررت النساء بشكل خاص من خطاب الكراهية والانتهاكات الجسيمة، ما يجعل مشاركتهن في مفاوضات السلام أمرًا حيويًا لتصميم وتنفيذ جهود فعالة لبناء السلام. كما يجب مراقبة الحملات التي تتضمن خطاب كراهية عبر الإنترنت وخارجه خلال هذه العملية، بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني.
وللحد من مخاطر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة والزائفة، ينبغي للجهات الإنسانية في السودان، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، تنفيذ آليات رصد مستمرة عبر الإنترنت وخارجه، تماشيًا مع استراتيجية الأمم المتحدة لمواجهة خطاب الكراهية، لتحليل الاتجاهات، وتحديد الجهات الفاعلة، ودمج هذا التحليل في تقاريرهم من أجل تنفيذ تدخلات مبنية على فهم السياق.
كما يُوصى بأن يدعم المانحون العمل الذي تقوم به منظمات التحقق من المعلومات في السودان، إلى جانب البرامج التي تهدف إلى تعزيز مهارات المستخدمين في التحقق من المعلومات، من خلال التدريب على الإعلام والمهارات الرقمية.